تاريخ النشر 25 يناير 2015     بواسطة الدكتور علي محمد زائري     المشاهدات 201

طفل مسلوخ ورضيع يُضرب وآخر يُفصل رأسه

حقوق الإنسان: جدة ومكة تتصدران حالات العنف ضد الأطفال. د.محمد الحربي: يتم التعامل مع كافة الحالات التي ترد لنا ومصلحة الطفل هدفنا. د.عبدالله الشعلان: المجتمع أوكل للأسرة التنشئة الاجتماعية وأعطاها كل الصلاحيات. د.علي الزائري: أهمية التأهيل النفسي للمعنف وحمايته بالقانون. د.نورة الصويان: ما
يحدث في قضايا العنف لا يتعدى "الهليلة الإعلامية".
نزار رمضان: توحش الآباء إرهاب جديد يتفشى داخل الأسر.
ريم سليمان- سبق- جدة: فجّرت قضية الطفل "مسلوخ الرأس" من والده، والرضيع الذي يُضرب على قدميه، الغضب في الشارع السعودي، وأثارت حفيظة الرأي العام ووضعت من جديد قضية العنف الأسري وعنف الوالدين ضد أبنائهما إلى الواجهة على طاولة البحث والتحليل النفسي والاجتماعي، وهذه القضايا والعنف العائلي سبقتها مئات الحوادث أشد مرارة وقسوة منها.
"سبق" تواصلت مع وزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على إحصاءات حول حجم ظاهرة العنف ضد الأطفال في المجتمع، وآخر إحصائية منشورة وصلت فيها معدلات العنف الوالدين ضد الأطفال من مجموع العنف العائلي إلى 45 %.. "سبق" تفتح من جديد ملف العنف ضد الأطفال وتتساءل هل من حلول؟!
الأخصائية الاجتماعية هند الغامدي تحكي عن بعض الحالات التي تعاملت معها وفقاً لطبيعة عملها، أولاها كانت لطفلة في الثانية عشرة من عمرها وصلت إلى قسم الطوارئ نتيجة ضرب وتعذيب والدها لها وإلقاء الماء المغلي عليها، وبالرغم من شفائها إلا أنها ظلت تعاني من آثار نفسية سيئة.
وتذكرت معنا حادثة الطفل الذي قطع والده رأسه في منطقة مكة المكرمة وكانت الأبشع من نوعها في هذا الوقت، وقالت: للأسف حالات العنف ضد الأطفال تتزايد بشكل خطير ومفزع ودائماً ما يكون السبب إما انحراف أخلاقي أو إدمان للمخدرات وأغلب حالات العنف تكون في الأسر المفككة.
من جهته قال مدير عام الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية الدكتور محمد الحربي: نقوم بالعمل عن طريق 17 لجنة للحماية اﻻجتماعية بالمناطق والمحافظات مشكلة من عشر جهات حكومية، إضافة لسبع وحدات للحماية اﻻجتماعية معنية بالإضافة بالتصدي لهذه المشكلة، مؤكداً أن مركز البلاغات 1919 يعمل على مدار الساعة بما فيها الإجازات.
وأوضح أنه في نفس اللحظة التي يتم تلقي البلاغ يرسل للجنة الحماية المعنية لدراسة الحاﻻت واتخاذ الحلول المناسبة لها حيث يتم التعامل مع كافة الحالات التي ترد إلينا إما بالإصلاح أو الإيواء أو الإرسال إلى الجهة المختصة، كما أن الوزارة أنشأت بريداً إلكترونياً ﻻستقبال البلاغات السرية والسرعة وقد تم تعميمه على جميع الجهات المعنية وفق نموذج محدد.
ورداً على سؤال حول إحصاءات الشؤون الاجتماعية عن حجم ظاهرة العنف ضد الأطفال وحجمها في المملكة، قال: لا تتوفر إحصائيات دقيقة حديثة.
أرقام وإحصائيات
وتواصلت "سبق" مع الهيئة العامة لحقوق الإنسان لمعرفة طبيعة الحالات التي تأتي إليهم، وأبلغتنا الجمعية على لسان مصدر مسؤول أن هناك العديد من الشكاوى ترد للجمعية عن أنواع العنف التي يتعرض لها الأطفال (18 سنة فما دون) من إساءة جسدية أو نفسية أو جنسية، أو أطفال حرموا من التعليم ومن أوراقهم الثبوتية، أيضا حرمان الطفل من رؤية الأم ومن رؤية الأب أو حجزه أو إهماله، بالإضافة إلى قضايا زواج الأطفال ويبلغ عن هذا النوع من القضايا على الأغلب أحد أفراد الأسرة.
وحصلت "سبق" على إحصائية من الجمعية كشفت الزيادة في نسب العنف الأسري والعنف ضد الأطفال منذ إنشاء الجمعية في عام 2004 حتى نهاية 2013، حيث كشفت الإحصائية أنه في عام 2004 كانت عدد حالات العنف الأسري التي جاءت إليها 37 حالة، وزادت في عام 2005 لتصل إلى 296 حالة، وفي عام 2009 كان هناك 311 حالة عنف أسري و72 حالة عنف ضد الطفل فيما وصلت في عام 2013 إلى 360 حالة عنف أسري و112 حالة عنف ضد الطفل.
كما تصدرت منطقة جدة ومكة المكرمة عدد حالات العنف ضد الأطفال خلال عام 2013 حيث وصلت عدد البلاغات المقدمة إلى الجمعية 37 حالة من جدة، وجاءت مكة في المركز الثاني بعدد 29 حالة عنف.
وأكد المصدر أن هذه الإحصائيات لا تعني النسبة الكلية، فهي نسبة من يقومون بتبليغ الهيئة بالعنف.
بيئة فاسدة
وتحدث إلى "سبق" أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد الدكتور عبدالله شعلان، قائلا: حادثة الطفل المسلوخ الرأس تمثل أقصى درجات العنف الجسدي ضد الأطفال وأكثرها وحشية، وما يزيد هذه الحادثة اشمئزازاً أنها تقع من أب يفترض أن يكون ملاذاً وحماية ورعاية للأطفال، لافتاً إلى البيئة والظروف الاجتماعية الفاسدة في أسرة مفككة يتعاطى فيها الأب المسكرات.
وأضاف: هذه الحادثة تشير إلى أن العنف كان يمارس ضد الأطفال في هذه الأسرة وبصور مختلفة، بيد أنه لم يلتفت إليه أحد حتى ظهر على السطح وبشكل صارخ، فالأب كان يجبر أبناءه على السرقة تحت تهديد العنف الجسدي ويتعاطى المسكرات أمام أطفاله، ونظراً لخصوصية الأسرة وأن المجتمع أوكل للأسرة وظيفة التنشئة الاجتماعية ومنح للوالدين مجموعة من الصلاحيات فلا أحد يستطيع أن يتدخل ويصحح من مسار تلك الأسرة.
وطالب الشعلان بضرورة وجود مؤسسات اجتماعية لها صلاحيات تعني بالكشف عن الأسر المفككة والمعرضة للتفكك، حيث تتوفر لها سمات الأسر المعنفة لمعالجتها وحماية أطفالها قبل وقوع العنف ضدهم إنقاذاً لأرواحهم.
وأعرب عن استيائه من بعض الظروف المجتمعية والتي تجعل الفرد يشعر بالإزعاج عندما يسمع صوت مذياع مرتفع يصدر من جاره بل ويذهب إليه ويحذره بالشرطة، في حين إذا سمع استغاثة امرأة أو طفلا يصرخ من اعتداء ويصدر ذلك من جار لك أيضا، بيد أنه في هذه الحالة نعتبره أمر خاصا لا دخل لنا به.
وقال:: هذا في الواقع ما يحدث تجاه ممارسات العنف داخل الأسرة. والضحايا هم النساء والأطفال، كما أن هذه الخصوصية للأسرة جعل من العنف الذي بداخلها يستمر دون أن يلتفت المجتمع إليه.
صدمة نفسية
انتقلت "سبق" إلى المستشار النفسي الدكتور علي الزائري للتعرف على تأثير ما حدث للطفل المسلوخ عليه، وأفاد أن ما حدث سوف يعرضه لصدمة نفسية عنيفة مضاعفة تستمر إلى نهاية عمره، فالعنف وقع من مصدر الأمان، ما يؤدي إلى خلل في المبادئ الأخلاقية، مشيراً إلى أهمية التأهيل النفسي وحمايته عن طريق القانون.
وأوضح أن اعتداء الأب بهذه الوحشية بمساعدة احد الأبناء يجرد الطفل من إحساس الأمان والأبوة، ما يفقده الثقة في نفسه والآخرين، لافتا إلى ضرورة إعطاءه مزيدا من الرعاية والحنان وإعادة غرس الثقة في نفسه من قبل والدته ونزع الولاية نهائيا من هذا الأب المجرم. مع ضرورة التأكيد على أن الطفل ليس له ذنب فيما حدث حتى لا يلوم نفسه لعدم سرقته، ومن ثم يتحول إلى العمل الإجرامي ويصبح جزء من سلوكه.
"هليلة" إعلامية
طالبت أستاذ مساعد علم الاجتماع الدكتورة نورة الصويان بضرورة تغيير طريقة تعاملنا مع المشكلات، وقالت إن ما حدث للطفل جريمة لا يمكن السكوت عليها، متسائلة: ما الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة البشعة؟ وأعربت عن مخاوفها باكتفاء المجتمع بالتهليل الإعلامي دون تقديم حلول ومحاسبة المخطئين.
وأضافت: لا بد عمل دراسة حالة لأم الطفل ومعرفة المؤسسات التي تواصلت معها من قبل، ومدى تجاوبها معها ومسائلة الجهات التي لم تتجاوب ليتحمل كل صاحب مسؤولية مسؤوليته.
جزار بشري
من جهته، لفت المستشار الأسري نزار رمضان إلى انتقال العنف الأسري في بعض أسرنا إلى التوحش الأسري بل وأضل سبيلا، لافتا إلى أن بعض الجرائم التربوية التي تجعلنا تصرخ بأعلى صوت وأبين برهان أن ثمة خللا تربويا في تربية الآباء قبل الأبناء، وقال: عندما يصدم الأبناء بعنف الآباء والأمهات تتصدع أمامهم كل أخلاقيات الدين، ويفقدون الدفء النفسي والدرع الواقي والسند التربوي.
ووصف التوحش الذي يقوم به الآباء والأمهات بالإرهاب الأسري، معربا عن أسفه من كونه سمة من سمات أسرنا، محددا بعض الملامح الأساسية الناتجة من الإرهاب الذي يسود في أجواء الأسرة، والتي تؤدي إلى إنتاج شخصيات إرهابية خائفة تتميز بالعجز والقصور وعدم المقدرة على تحمل المسؤولية، كما أنه يساعد على تكوين الشخصية المنتقمة التي تتلذذ بأذى الآخرين.
واستنكر المستشار التربوي عندما علم بأن أباً يسلخ ولده بسبب رفضه للسرقة، واصفاً إياه بـ "الجزار البشري" وتساءل لماذا نستغرب من طالب يعلق معلمه من قدميه أو تحرشات الذئاب البشرية ببراعمنا، أو الانتقام من الذات بإدمان المخدرات أو الانتحار ومن المجتمع بالإرهاب الفكري والإجرام الجنائي؟
وقال: هذا التسونامي الذي هز مجتمعنا المحافظ يمسك بتلابيب أعناق التربويين والدعاة والعلماء وأصحاب الرأي بضرورة القيام بثورة تربوية تعيد لأسرنا خماسية البناء التفهم والتقدير والاحترام والحب والأمن، موضحا ضرورة إعادة النظر في الكفاءة التربوية وقت الزواج، مع ضرورة إقرار مواد تتعلق بحقوق الطفل.
وطالب رمضان في نهاية حديثه بأهمية وجود مراكز أبحاث متخصصة لدراسة الجرائم التربوية، ومراكز تأهيل حقيقية للمعنفين.


أخبار مرتبطة